يواصل المركز القطري للصحافة سلسلة "رواد الصحافة العالمية"، التي تسلط الضوء على أبرز الشخصيات التي تركت بصمتها وإسهاماتها في تطوير الصحافة والإعلام.
واستعرض المركز من خلال تلك السلسلة قصص شخصيات إعلامية، بنجاحاتها وتجاربها الملهمة للأجيال الصحفية والإعلامية، ومن بين هؤلاء، يأتي اسم كارل فون أوسيتزكي، الصحفي والناشط الألماني، والحائز جائزة نوبل للسلام عام 1935، رغم اعتقاله بتهمة الخيانة العظمى؛ بسبب نشره معلومات تتعلق بإعادة التسلح العسكري السري لألمانيا.
ولد أوسيتزكي في هامبورغ بألمانيا عام 1889. وأثناء تحصيله الدراسي في المرحلة الثانوية لم يكن أوسيتزكي طالبًا متميزًا، وترك مقاعد الدراسة في سن السابعة عشرة ليصبح موظفاً حكومياً إدارياً، وسرعان ما توجّه إلى مهنة الصحافة ونجح فيها.
وظهر أول أعماله الصحفية على صفحات صحيفة "الشعب الحر"، وأصبح يكتب لاحقاً في مواضيع النقد المسرحي، وقضايا المرأة، والمشاكل المبكرة لاستخدام السيارات، كما انصبّ اهتمامه على التطورات السياسية والثقافية خلال عهد فايمار .
وفي 5 يوليو 1913 كتب أوسيتزكي مقالاً انتقد فيه قرار اًلمحكمة مؤيدة للعسكر في إرفورت، وعلى إثره استدعي للمثول أمام المحكمة .
كانت معارضته للسياسة العسكرية الألمانية في سنواتها الأخيرة وتسليحها، سبباً ليصبح من دعاة السلام، ومناهضاً لكل أشكال الحرب والعنف .
استدعي عام 1916 للخدمة العسكرية بالرغم من تدهور وضعه الصحي، وجند رغماً عنه في الجيش خلال الحرب العالمية الأولى، فأصابته المجازر بالخوف والجزع .
وخلال سنوات حكم فيلهيلم الأخيرة عارض أوسيتزكيتسلح ألمانيا، وعرف خلال جمهورية فايمار بتأييده القوي للديمقراطية والتعددية الحزبية، وكان معارضاً شديداً للنازية ومعاداة السامية .
تبنّى أوسيتزكي صوت التحذير ضد النزعة العسكرية والنازية، وأصبح أمين عام مجتمع السلام الألماني في برلين، وهناك أنشأ مجلة Mitteilungsblatt الشهرية التي صدرت للمرة الأولى عام 1920، كما أصبح مساهماً منتظماً تحت اسم مستعار: (توماس مورنر) في مجلة MoinstenMonatsheften الشهرية .
لاحقاً شغل أوسيتزكي منصب محرر الشؤون الخارجية في صحيفة Berliner Volkszeitung جريدة الشعب في برلين، والمعروفة بسياستها التحريرية المناهضة للحرب، والحيادية والديمقراطية .
وفي عام 1924 انضم أوسيتزكي إلى جريدة "تاجيبوش"،وهي جريدة أسبوعية سياسية، وفي 1929 تولى سيغفريد جاكوبسون رئاسة تحرير مجلة دي فيلتبونه وخلال فترة رئاستة للتحرير نُشرت سلسلة من التحقيقات عن انتهاك ألمانيا معاهدة فرساي بإعادة بناء سلاح الجو وتدريب الطيارين في الاتحاد السوفييتي، ونَشرَ مقال اًبقلم والتر كرايزر، إلا أن أوسيتزكي حوكم بتهمة الخيانة العظمى بصفته المحرر المسؤول وحكم عليه بالسجن لمدة 18 شهراً.
أسيئت معاملته في السجن من قبل الحراس، وأجبر على القيام بأعمال شاقة رغم إصابته بنوبة قلبية، كما أصيب بالسل، ورفضت الحكومة إطلاق سراحه .
وفي عام 1934 تبنّى زملاؤه في الرابطة الألمانية فكرة ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، وأشادت لجنة نوبل به كمدافع عن حرية التعبير، وعن كونه رمزاً للسلام، وكانت لأول مرة تمنح الجائزة لشخص على خلاف مع بلاده، وساعدت الجائزة في حشد الرأي العام في النضال ضد النازية .
حين أعلن فوزه بجائزة نوبل عام 1935 قامت الحكومة الألمانية بمنعه من السفر لتسلم جائزته في النرويج، ومنعت الصحافة الألمانية من التعليق على منحه الجائزة، وظل تحت المراقبة المستمرة حتى وفاته بمرض السل في أحد مستشفيات برلين في عام 1938، بعد خمس سنوات من السجن .