لم يكسر جمود قطاع العقارات أسعار المنازل في تركيا، بل احتفظت إسطنبول بمراتب أولى عالميًا بغلاء الأسعار، بعدما وصل سعر المتر المربع الواحد إلى 51.229 ليرة تركية، بمعدل زيادة سنوية بلغ نحو 28.1%، بحسب بيانات شركة إسطنبول للتقييم العقاري، وذلك رغم ما يُقال عن عرض زائد، خاصة بعد الزلزال الذي ضرب إسطنبول في 23 إبريل/نيسان الماضي، والذي رفع الأسعار في الشطر الآسيوي من المدينة، وجمّد أو كسر الأسعار في المناطق المهددة بالزلازل، مثل إسنيورت وبيوك تشكمجه.
وقد حقق مستثمرو العقارات أعلى العوائد السنوية في مناطق كاديكوي، بنديك، مالتيبي، سلطان بيلي، وتوزلا، وجميعها تقع في الجانب الآسيوي "الأناضولي" من المدينة. وتراوحت نسب الزيادة السنوية في أسعار المساكن بهذه المناطق بين 38.8% و45.8%، ما يجعلها من بين أبرز مناطق الاستثمار العقاري في إسطنبول لهذا العام. في حين تراجعت نسبة الزيادة في القسم الأوروبي من المدينة، وكانت أحياء بيوغلو، إيسنلر، الفاتح، ساريير، غازي عثمان باشا، وضبابي من بين الأحياء ذات نسبة الزيادة الأقل في الأسعار، حيث لم تتجاوز نسب النمو السنوي فيها 22.5%، ما يشير إلى حالة من الاستقرار أو التباطؤ في وتيرة النمو مقارنة ببقية مناطق المدينة.
وجاءت منطقة كاديكوي في صدارة قائمة أغلى أحياء إسطنبول من حيث متوسط سعر المتر المربع، الذي بلغ 136.111 ليرة تركية، تلتها ساريير بـ126.615 ليرة، ثم بشيكتاش وباكيركوي. في المقابل، تُعد إسنيورت الأرخص من حيث السعر، بمتوسط بلغ 27.400 ليرة تركية للمتر المربع، تليها سلطان غازي، أرناؤوط كوي، وغونغورين. ورغم ارتفاع تكاليف التمويل العقاري، لم تشهد السوق تباطؤًا شديدًا، فقد بلغت مبيعات المساكن في مايو/أيار 130.025 وحدة، بزيادة شهرية قدرها 10% وسنوية بلغت 17.6%، بحسب بيانات رسمية. كما تم تسجيل 19.412 عملية شراء عبر قروض مرهونة، بنسبة تمثّل 14.9% من إجمالي المبيعات في ذلك الشهر.
ويتوقع مراقبون أن الزيادة في مبيعات العقارات عبر القروض تعود إلى ترقّب الأسواق احتمال تخفيض البنك المركزي التركي أسعار الفائدة خلال يوليو/تموز الجاري، بالإضافة إلى توقع المستثمرين أن أسعار العقارات ستعود للارتفاع بالقيمة الحقيقية في الفترة المقبلة بعد فترة من التراجع. وتُظهر بيانات هيئة تنظيم ومراقبة المصارف التركية (BRSA)، أن إجمالي حجم قروض الإسكان ارتفع إلى 585 ملياراً و703 ملايين ليرة تركية، بزيادة أسبوعية تجاوزت 2.5 مليار ليرة، وهو ما يعكس استمرار الثقة في قطاع العقارات باعتباره وجهة استثمارية طويلة الأمد رغم التقلبات الاقتصادية.
وبحسب بيانات البنك المركزي التركي، ارتفع مؤشر أسعار المساكن بنسبة 3.4% شهريًا و32.3% سنويًا في مايو/أيار، فيما أظهرت القيمة الحقيقية (أي المعدّلة حسب التضخم) انخفاضًا بنسبة 2.3% سنويًا. ويقدّر ممثلو القطاع العقاري أن الانكماش الحقيقي في أسعار العقارات، الذي بدأ منذ فبراير/شباط 2024، قد يتباطأ بدءًا من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، مع توقّعات بعودة الأسعار إلى النمو الحقيقي الإيجابي على أساس سنوي في الفترة القريبة القادمة.
ويقول منسق المبيعات في شركة "يلدريم يابي غروب" أحمد ناعس، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن السوق التركية بشكل عام، وإسطنبول تحديدًا، بدأت بالانتعاش الآن بعد فترة من المخاوف والجمود، سببها –برأيه– الزلزال والحروب في المنطقة وتراجع القروض العقارية، لكنه يستدرك في تصريحه بأن مفاهيم الشراء تبدلت، إذ تراجع الإقبال على المنازل القديمة بشكل كبير، ما كسر أسعارها، في حين يتزايد التوجه نحو المساكن الجديدة، التي ارتفعت أسعارها بأكثر من 50%، بسبب بنائها المقاوم للزلازل وارتفاع تكاليف مواد البناء.
ويتوقع ناعس أن الفترة المقبلة ستشهد عودة انتعاش سوق العقارات بعد بيانات المصرف المركزي وشركة إسطنبول للتقييم العقاري، إذ لا تزال أرباح وعائدات العقارات من الأعلى في تركيا، مؤكدًا أن السوق عاود نشاطه، وزاد الطلب على المساكن في القسم الآسيوي من إسطنبول بشكل عام، وعلى العقارات الجديدة في القسم الأوروبي. وكان تقرير "رسم خريطة الأسعار العالمية 2025"، الصادر عن دويتشه بنك –أكبر بنك في ألمانيا– قد كشف عن تغيّرات حادة في تكاليف المعيشة والإيجارات في 69 مدينة حول العالم، مركّزًا على مؤشرات جودة الحياة، ومتوسط الإيجارات، والدخل الشهري بعد الضرائب، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية الحضرية.
وسجلت إسطنبول أعلى زيادة في أسعار الإيجارات في مراكز المدن على مستوى العالم خلال السنوات الخمس الماضية، حيث ارتفعت إيجارات الشقق المكوّنة من ثلاث غرف نوم بنسبة 193.1%، فيما قفزت إيجارات الشقق المكوّنة من غرفة نوم واحدة بنسبة 178.5% بالدولار. وارتفع متوسط سعر المتر المربع لشقة سكنية في وسط مدينة إسطنبول بنسبة 103%، ليصل إلى 3.036 دولارًا أميركيًا في عام 2025، بعدما كان 1.492 دولارًا فقط في 2020. ومع ذلك، ما زالت المدينة بعيدة عن المراتب الأولى، التي تصدّرتها هونغ كونغ بسعر بلغ 25.946 دولارًا للمتر المربع.
واحتلت إسطنبول المرتبة 53 عالميًا من حيث متوسط الإيجار، بواقع 1.764 دولارًا أميركيًا للشقة المؤلفة من ثلاث غرف نوم. وكان متوسط الإيجار في إسطنبول عام 2020 لا يتجاوز 602 دولار فقط. أما إيجار الشقق ذات غرفة النوم الواحدة، فبلغ 948 دولارًا مقارنة بـ340 دولارًا قبل خمس سنوات، لتحتل بذلك المركز الخمسين عالميًا في هذا التصنيف.
