الجزائر تراجع تشريعات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب

منذ ٣ ساعات ٦

يواصل البرلمان الجزائري لليوم الثاني على التوالي، مناقشة مسودة تعديلات جديدة لقانون الوقاية من تبييض الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، حيث تضمنت تشديد إجراءات الوقاية والسلامة المالية، في أعقاب تصنيفات دولية للجزائر ضمن لائحة الدول عالية المخاطر، لكن الجزائر تبرر ذلك بسعي لتكييف تشريعاتها الوطنية مع الالتزامات الدولية وتوصيات مجموعة العمل المالي (فاتف)، خاصة مع تطور أشكال جرائم تبييض الأموال وتقنيات تمويل الإرهاب.

بدأت الجزائر إجراء مراجعة شاملة لقانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، باتت بموجبه المنظمات الأهلية وغير الربحية، التي تقوم بجمع الأموال أو استلامها أو منحها أو تحويلها في إطار نشاطها، تخضع للمراقبة المشددة من قبل سلطة الضبط والرقابة، لضمان عدم استخدام أموال المنظمات غير الهادفة للربح لأغراض تمويل الإرهاب.

كما ستصبح هذه المنظمات غير الربحية ملزمة باتخاذ تدابير للحذر والامتناع عن قبول أية تبرعات أو مساعدات مالية مجهولة المصدر، أو تلك المتأتية من أعمال غير مشروعة، ومعرفة المتعاملين معها، سواء كان دائماً أو عرضياً أو كان شخصاً طبيعياً أو معنوياً، والتحقق من هويته بواسطة الوثائق والمعطيات، وفي المقابل ضرورة التثبت من هوية المستفيدين من مشاريعها، والاحتفاظ بسجل المعلومات المطلوبة عن المستفيد الحقيقي لمدة لا تقل عن خمس سنوات على الأقل.

وتقرر في السياق نفسه تعزيز عمل اللجنة الوطنية لتقييم مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ووضع تحت تصرف الهيئات المعنية بذلك كل الوسائل والأدوات القانونية التي تمكن من تحديد أصل الأموال ومصدر الثروة ومراقبة معززة ومستمرة لعلاقة الأعمال، والتثبت من التزام المؤسسات المالية والمؤسسات والمهن غير المالية المحددة والمنظمات غير الهادفة للربح بمتطلبات الوقاية ومكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

وسيكون ذلك عبر تأهيل ضباط الشرطة القضائية والجهات القضائية، لإجراء التحقيقات المالية الموازية، وتشكيل فرق تحقيق مشتركة دائمة أو مؤقتة لإجراء التحقيقات المالية، أو إجراء تحقيقات مشتركة مع السلطات المختصة في الدول الأخرى، وتبادل المعلومات مع الجهات النظيرة بالخارج لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

وتنص التعديلات الجديدة على تشديد العقوبات المقررة لجرائم تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب، لا سيما فيما يتعلق بالامتناع عن التبليغ وتحرير وإرسال الإخطارات بوجود شبهة مالية، وتجريم الامتناع عن التصريح بالمستفيد الحقيقي من الأموال، كما يحمل المؤسسات المالية والبنوك مسؤولية التثبت من جانبها من هوية البنوك الأجنبية التي تتعامل معها، منعاً لأي تعامل مع بنوك مشبوهة، والحصول على موافقة السلطات المختصة قبل الدخول في علاقة مع المراسل الأجنبي.

كما يحظر على المؤسسات المالية الجزائرية أي تعامل مع بنوك صورية، ويشدد التعديل العقوبات على رؤساء وأعضاء مجالس إدارة المؤسسات المالية والمؤسسات والمهن غير المالية وموظفيها الذين أبلغوا عمداً صاحب الأموال أو العمليات موضوع الإخطار بالشبهة، بوجود هذا الإخطار أو أطلعوه على المعلومات والنتائج ذات الصلة.

ويقرر النص الجديد الذي ستجري المصادقة عليه الأربعاء المقبل، أن يُدرج في القائمة الوطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية كل شخص طبيعي أو هيئة موجود على التراب الوطني، يمكن أن تكون بحوزته أموال أو يوفر خدمات مالية أو خدمات أخرى ذات صلة، بالأشخاص والكيانات المسجلة أسماؤهم في قائمة العقوبات الموحدة وفي القائمة الوطنية للأشخاص والكيانات الإرهابية.

وكان البرلمان الأوروبي قد صادق الجمعة الماضية، على إدراج الجزائر ضمن لائحة الدول المصنفة عالية المخاطر في مجال تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، حيث ستخضع المعاملات المالية من وإلى الجزائر، لإجراءات تحقق دقيقة ومراقبة مشددة، وذلك في إطار سياسة أوروبية جديدة تهدف إلى الحد من مخاطر التدفقات المالية غير المشروعة، وتعزيز آليات تتبع رؤوس الأموال العابرة للحدود، وقبلها كانت مجموعة العمل المالي الدولي (فاتف) قد صنفت الجزائر ضمن القائمة الرمادية للمعاملات المالية.

وخلال رده على تساؤلات نواب البرلمان، نفى وزير العدل الجزائري لطفي بوجمعة، أن تكون التعديلات الجديدة، التي جرت المصادقة عليها في اجتماع مجلس الوزراء الأحد الماضي، وأحيلت بسرعة إلى البرلمان، ردة فعل على التصنيفات الدولية الأخيرة للجزائر ضمن القائمة الرمادية أو لائحة البرلمان الأوروبي التي صنفت الجزائر ضمن قائمة البلدان عالية المخاطر في المعاملات المالية، وقال إن هذه التعديلات فرضها انسجام الجزائر مع توصيات مجموعة العمل المالي الدولي (فاتف)، والتطور الذي شهدته جرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

لكن النائب في البرلمان عضو الشبكة البرلمانية الدولية لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عبد الوهاب يعقوبي، أكد في مداخلة مكتوبة بشأن التعديل الجديد، أن "ملف تبييض الأموال خاصة ملف بالغ الحساسية، يمسّ سمعة الجزائر وثقة شركائها الدوليين، ويتعلق باستمرار تصنيف بلادنا ضمن القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي الدولية، وهذا التصنيف لا يُعدّ تقنياً فقط، بل هو حكم دولي قاسٍ يقوّض ثقة المستثمرين، ويرفع من كلفة العمليات البنكية، ويُضعف مناخ الأعمال".

وأشار إلى أن "السوق السوداء للعملة التي تبتلع أكثر من 40% من الاقتصاد الوطني، تحوّلت إلى أحد أكبر مراكز تبييض الأموال في البلاد"، مؤكداً أن "مكافحة تبييض الأموال لا تقتصر على إصدار النصوص، بل تتطلب إرادة سياسية قوية، ومنظومة قانونية متماسكة، وتطبيقاً صارماً وفعلياً على أرض الواقع".

قراءة المقال بالكامل