مفاوضات غير مباشرة... أين المشكلة؟

منذ ٧ ساعات ١٢

حسناً صنع الرئيس السوري، أحمد الشرع، أنه أجاب بوضوح، وبلا أي شعورٍ بحرج، على سؤال زميلةٍ في تلفزيون العربي، في باريس، عمّا إذا كانت هناك، حقّاً، مفاوضاتٌ غير مباشرة بين دمشق وإسرائيل، عندما أفاد بأن هذا صحيحٌ، وبأن هذه المفاوضات تتم عبر وسطاء (ليس واحداً إذن!)، وذلك "لتهدئة الأوضاع ومحاولة امتصاص الوضع، لكي لا تصل الأمور إلى حدٍّ تفقد السيطرة عليه من كلا الطرفين". ولئن يبدو هذا التوضيح القاطع غير جديدٍ تماماً، بعد محادثاتٍ تركيةٍ إسرائيليةٍ في أذربيجان في هذا الخصوص، عُقدت أمس الخميس جولةٌ ثالثة منها، فإن الجديد المتعيّن فيه أنه ينهي القيل والقال الكثير، سيّما وأن كلاماً يشيع عن استعداد السلطة الحاكمة في سورية للذهاب إلى إقامة سلام "إبراهيمي" مع دولة الاحتلال، من دون قرائن أو دلائل ظاهرة. وهنا، لا يُعتدّ بقول عضو الكونغرس الأميركي، كوري ميلز (لتلفزيون العربي)، بعد لقاء الشرع به في دمشق قبل أسبوعين، إنه "يعتقد" (!) أن الرئيس السوري "أظهر استعداداً للعمل مع إسرائيل"، للذهاب إلى أن ثمّة ميولاً تطبيعيّةً لدى الرئاسة السورية الحالية نحو علاقاتٍ طبيعيةٍ مع دولة الاحتلال، إلا إذا استبدّ بنا أن سوء الظن من حسن الفطن.
ما الذي في وُسع الحكم الراهن في سورية أن يفعل من أجل أن تكفّ إسرائيل شرورَها عن البلد؟ هل من خيارٍ آخر غير الاتصالات السياسية مع الدول العربية والصديقة، من أجل عملٍ ضاغط، ما أمكن، على دولة العدوان؟ ليس حراماً ولا جُرماً أن يفاوض أحمد الشرع إسرائيل، عبر وسطاء، من أجل هذا الهدف، خصوصاً إذا ما مضى في استخدام لغةٍ أكثر دقّة ووضوحاً، في إدانة كل اعتداء إسرائيلي على البلاد، مما كانت عليه لغته في الأسابيع الأولى عقب انتصار 8 ديسمبر. وعندما يجد واحدُنا مشروعيّة سياسية، بل ووطنيّة أيضاً، في كلام دمشق "مع كل الدول التي لديها تواصلٌ مع الجانب الإسرائيلي للضغط عليهم للتوقّف عن التدخّل في الشأن السوري واختراق أجوائه وقصف بعض منشآته"، بتعبير الشرع في باريس، فذلك يعني أن الرئاسة السورية مدعوّةٌ إلى مزيدٍ من هذه الشفافية، فتنير للرأي العام السوري (ومعه العربي) مضامين تلك المفاوضات غير المباشرة، فالإسرائيليون لن يتوقّفوا عن اعتداءاتهم الشنيعة من دون أثمانٍ يقبضونها من دمشق. وإذا كان صنيعاً جيّداً من الشرع أنه أكّد، مجدّدا، التزام سورية باتفاقية فضّ الاشتباك في 1974، فالمتوقّع أن تتمادى دولة الاحتلال في تلك المباحثات والمفاوضات، فتُطالِب بما هو أكثر من هذا، استثماراً منها لاستضعاف سورية في راهنها الصعب والمرتبك والمُقلق. ولا نظنّها براغماتيةُ أحمد الشرع، الذي يضع الكرات في سلالِها، والمرجّح أن شعبيّته بين السوريين تزيد عن الـ80% التي أوضحها استطلاع مجلة إيكونوميست، ستأخذُه إلى تنازلاتٍ لا مدعاة لها. والثقة في شخصه هنا هي التي تجعلنا على الثقة نفسها بأن سقف هذه المفاوضات، غير المباشرة، لن يهبط إلى ما يتجاوز تلك الاتفاقية، ويذهب بسورية إلى ارتهاناتٍ والتزاماتٍ تطوّقها، وتجعل أولى وظائفها تأمين حماية دولة الاحتلال، فضلاً عن أن أولوية الأولويات أن تتمسّك سورية بحقّها الكامل في وضع أي قوةٍ وأي سلاحٍ تريد في مقبل الأيام على الحدود مع فلسطين، على غير ما يُحدّث به مبعوثو نتنياهو مبعوثي أردوغان في أذربيجان.
ليس الموضوع أن السلطة في سورية تخوض مفاوضاتٍ غير مباشرة مع إسرائيل، فما من مشكلةٍ هنا، فالأعداء والخصوم هم الذين يتفاوضون، وإسرائيل في عدوانها النشط على سورية توّجت الشرع عدوّاً غير عاديٍّ لها عندما تعمّدت قصف محيط قصره الرئاسي. الموضوع أن على دولة الاحتلال "التوقّف عن تصرّفاتها العشوائية وتدخّلها في الشأن السوري"، بتعبير الرئيس الشرع، وأن الغرض من هذه المفاوضات هو هذا، لتلتقط سورية أنفاسها، ولتتعافى، وليُباشر أهلوها، ومعهم الحكم الانتقالي الراهن فيها، عبورَهم إلى دولةٍ عادلةٍ تقوى بمواطنيها ومواطنتهم المتحقّقة لكل فردٍ فيهم. وهذا مسارٌ شاقّ وطويل. ... لنتسلح بالأمل والتفاؤل، وإنْ يلزمهما عملٌ كثير، صادقٌ وجدّي، لا يتوسّل إنشائياتٍ ومكابراتٍ تغطّي على كل عوارٍ وعطب.

قراءة المقال بالكامل